ما هي الخصوصية (وهل معلوماتنا حقاً في امان ) ؟ سياسة الخصوصية في الشركات الكبرى|سايبربروج.

 

ما هي الخصوصية (وهل معلوماتنا حقاً في امان ) ؟ سياسة الخصوصية في الشركات الكبرى|سايبربروج.




الخصوصية

الخصوصية


لغويًا خصوصيَّات الشَّخص هي شئونه الخاصّة به  وخُصوصيّة الشيء خاصِّيَّته  ورسائل خصوصيَّة سريَّة.   وعندما نتكلم عن الخصوصية بصفة عامة نعني حق الشخص في الحفاظ على سرية معلوماته الشخصية وقدرته على منع الآخرين من الحصول على هذه المعلومات الخاصة دون إذنه ورضاه.

أي باختصار هو حقك بالتحكم بمعلوماتك الشخصية  مثال على الخصوصية يحق لك عدم إخبار الناس حولك عن راتبك الشهري ولا يحق لأحد أن يحاول الحصول على هذه المعلومة دون رضاك.

وبهذا نستطيع استنتاج أن الخصوصية الرقمية هي حقك بالتحكم بمعلوماتك الشخصية التي تنشر عبر الإنترنت.   يتبع    يظن الناس أن خصوصيتهم الرقمية عالية جدًا لأن العالم الرقمي معزولٌ عن واقعنا ولكنّ هذا الاعتقاد خاطئ حيث أن من يدير العالم الرقمي وكل من يستعمله بشرٌ مثلك وكل ما تفعله رقميًا تنسب إليك وتصنف كأفعالك أنت وحدك ، ولهذا لا يصح افتراض عزلة العالم الرقمي عن واقعنا

دخولك الإنترنت لأول مرة سيجسد شخصيتك الرقمية البدائية والتي ستحمل معلومات قليلة جدًا ، حيث أن أول معلومةٍ تكشف عنك هي عنوان الـIP ، والذي يشير عادةً إلى موقعك التقريبي — دولتك ومدينتك — بالإضافة إلى نوع جهازك الذي تستخدمه ونوع المتصفح.

قد تظن أنها معلومات لا تهم لكن القصة تبدأ هنا    نفترض أن أول ما تفعله هو دخول محرك البحث — نفترض أنك استعملت Google وبدأت تبحث عن كيفية إنشاء بريدٍ إلكتروني ، في هذه الحالة محرك البحث سيعرف الوقت الذي فتحت فيه الصفحة ، عدد المرات اتي بحثت فيها ، وما هي الاستعلامات البحثية( hunt query) التي كتبتها في كل مرة مع وقت البحث ، والنتائج البحثية التي نقرت عليها ، وعدد صفحات البحث التي تصفحتها.

نفترض الآن أنك دخلت وأنشأت بريدك الإلكتروني   سيطلب منك الموقع إدخال اسمك الأول واسم عائلتك وتاريخ ميلادك والدولة واللغة المفضلة والعنوان ورقم هاتفك الشخصي وغيرها من المعلومات الشخصية ، كل هذه المعلومات ستربط ببريدك الإلكتروني الذي يعتبر بمثابة عنوان منزلك الرقمي. والبريد سيرتبط أيضًا بعنوان الـIP ونوع المتصفح والجهاز ، ولو افترضنا أنك أنشأت بريد Gmail فهذا يعني أن كل ما بحثت عنه سابقًا في محرك بحث Google سيرتبط ببريدك الإلكتروني وكل هذه المعومات ستسجل في قواعد بيانات الشركة



مرت الشهور والسنوات وواصلت استخدام البريد الإلكتروني ومحرك البحث — وهنا تكونت صورة كبيرة جدًا عنك ألا وهي اهتماماتك الشخصية ، واسمك ، وعمرك ، وأين تسكن ، وأوقات استخدامك للإنترنت بشكل تقريبي ، ومن تراسل على البريد الإلكتروني ، والرسائل التي في البريد أيضًا معلومة عنك وتحفظ في قواعد البيانات بدون تشفير.

ولو افترضنا أيضًا أنك تستعمل متصفح Google Chrome فسأقول لك ، أحسن الله عزاءك ، لأن المتصفح يجمع عنك بيانات أكثر ألا وهي المواقع الأخرى التي تدخلها وتتصفحها ، والوقت التي تقضيه في كل موقع ، وطبعًا هذه المعلومات كلها مرتبطة ببعضها لأن المتصفح ومحرك البحث والبريد الإلكتروني كلهم مرتبطون بحساب Google

نفترض أنك استخدمت نفس البريد الإلكتروني للتسجيل في مواقع التواصل ، وطبعًا ستصلك رسائل على البريد تثبت أنك سجلت مما سيربط بريدك الإلكتروني مع مواقع التواصل وبهذا شركة Google سيكون لديها المعلومة في مكانٍ ما في قواعد بياناتها ولكن ليس بالتفصيل الممل

قبل أن ننتقل إلى مواقع التواصل ، يجب أن تعرف أن معظم المعلومات التي جمعت عنك هي بيانات مبنية حول أفعالك ، وقليلٌ من المعلومات بسبب أنك أدخلتها طواعيةً عند تسجيلك ، والباقي عبر التراسل واستخدام البريد الإلكتروني ولكن بصفة عامة لا يحق للشركة الاطلاع على ما ترسله في بريدك لأنه يعتبر تجاوز لخصوصيتك حيث لا يجب لأحد أن يعرف محتوى رسائلك البريدة إلا لو تمكن من الدخول باستخدام كلمة المرور — لكن هذا لا يعني أن المعلومات غير متوفرة

سننتقل الآن إلى مواقع التواصل والتي تعتبر أسوأ في نظري وسأشرح لكم السبب   باستخدام نفس الشرح السابق ، نفترض أنك واصلت استخدام مواقع التواصل مثل تويتر وفيسبوك وإنستقرام وكنت تكتب عن مختلف الأمور وتتابع حسابات متعددة   ستعرف الشركات التي تدير مواقع التواصل عن اهتماماتك ، وستعرف علاقاتك بالمضافين لأن الحسابات عادةً ما تكون عامة ، وحتى الخاص منها يخفي المعلومات عن الناس فقط وليس عن الشركة مما يعني أن تفعيلك لحسابات خاصة يزيد خصوصيتك مع المستخدمين وليس مع الشركة   جميع رسائلك الخاصة في التطبيقات الثلاثة التي ذكرتها غير مشفرة وتستطيع الشركة الاطلاع على الرسائل كما حدث قبل شهر( في أغسطس ٢٠٢٢) حيث قامت المحكمة بأمر فيسبوك باستخراج محادثة دارت بين فتاة( ١٧ عامًا) وأمها عن استخدام أدوية للإجهاض في البيت والتخلص من الجنين الذي في آخر أساليب الحمل.

( ملاحظة الحكم الشرعي للإجهاض معروف ، وهو التحريم لو نفخ في الجنين الروح ، لكن موضوعنا عن إمكانية وصول الشركة للمعلومات بسهولة وليس دفاعًا عن فعلة الفتاة وولادتها)

قامت الشركة باستخراج المحادثة فعلاً وتسليمها للشرطة رغم أن المحادثات تسمى" محادثات خاصة" لكنها ليست كذلك

ونفس الشيء بالنسبة لتطبيقات المراسلة كواتساب وسناب شات وغيرها ، حيث أن الشركة تستطيع قراءة الرسائل حتى وإن كانت مشفرة ما دام قد تم الإبلاغ عنها ، مما يجعلنا نتساءل ما إذا كانت كل الرسائل مكشوفة لدى الشركة من الأساس

لكن السؤال هو لماذا أرى تطبيقات وشبكات التواصل أسوأ ؟   السبب هو مفهوم الخصوصية الخاطئ لدى الناس   وكثير من الدراسات درست ظاهرة تسمى مفارقة الخصوصية( sequestration  incongruity) وهي أن الناس يدعون اهتمامهم الشديد بخصوصياتهم إلا أن أفعالهم وسلوكياتهم تكشف معلوماتهم الشخصية بسهولة دون أي مقابل بصفة عامة



طبعًا بعض الدراسات تقول أن هذه الظاهرة هي مجرد خرافة كما قال الباحث DanielJ. Solove ، حيث أن المشكلة الأساسية هي أن حماية الخصوصية أمر صعب ومعقد   وبعيدًا عن هذه الخلافات بين الباحثين ، إلا أن الجميع يتفق أن بعض المعلومات يكشفها المستخدم بنفسه قد يكون لجهلٍ أو ظنًا منه أنه متحكم بمدى انتشار المعلومة وغيرها من الأسباب   مشكلة شبكات التواصل أن الناس يستخدمونها مدةً طويلة وجزء كبير من الناس يستخدمونها كمساحات للتحدث عن حياتهم الخاصة ومشاكلهم وأحلامهم وغيرها   وهنا تكمن المشكلة   يظن البعض أنه لو وضع صورته أو مقطعًا فإنه لن يراها سوى متابعينه المئة لكن الحقيقة ليست كذلك ، فلو كان حسابك عامًا فسيستطيع أي أحد دخول صفحتك ، وكثيرٌ من الشخصيات المشهورة اشتهرت دون أن ترغب بذلك   ولو أن حسابك خاص ، قد يقوم أحد المضافين عندك بانتهاك خصوصيتك ونشر ما تكتبه لأي سبب وهذا الأمر يحدث دائمًا   مواقع التواصل تعطي إحساسًا وهميًا بالأمان والخصوصية لأن احتكاكك بالمضافين عندك يعتبر سطحيًا بالنسبة للاحتكاك البشري المباشر.

يقيّم الإنسان ما يريد مشاركته مع الآخرين وفق علاقته بهم ، لكن ما نراه الآن هو أن الناس يحسون بالأمان والخصوصية دون معرفة الطرف الآخر معرفةً جيدة ودون استيعاب أن هذه الشبكات تستطيع أن توصل ملايين الناس إلى صفحتك   لهذا يقوم الناس بكشف معلوماتهم الشخصية دون أن يعوا إنهم بأيديهم يكشفون خصوصياتهم

قبل أن نتطرق إلى آخر نقطة ، يجب أن نفهم كيف تخزن البيانات في هذه الشركات الضخمة.

نحن نتكلم هنا عن مواقع ضخمة يستخدمها الملايين أي تحتاج إلى آلاف الخوادم( السيرفرات) ، أي عشرات مراكز البيانات( Data center).

معلوماتك ستكون مقسمة بين عدة خوادم وربما بين عدة مراكز بيانات ، وتقسيمة البيانات تختلف بين شركة وأخرى.   عند تصميم أنظمة البيانات الكبيرة( Big data systems) ، فإن عليك التعامل مع عدة أوامر وهي قراءة البيانات ، تعديل البيانات ، حذف البيانات ، إضافة البيانات.

من أكبر الصعوبات في هذه الأنظمة حذف وتعديل البيانات.

البيانات تخزن على شكل طابور أي كل معلومة جديدة يتم تخزينها بعد المعلومة التي قبلها حتى يمتلئ الخادم. عند تعديلك لمعلومة ، قد تكون المعلومة الجديدة أكبر من القديمة مما يعني أن عليك أن تستخدم مساحة أكبر لتخزين هذه المعلومة المعدلة.

مثال لنفترض أن كل معلومة تمثل مكعب ، وأن لدينا مكعبان متلاصقان ، المكعب أ والمكعب ب. لو قمت بتعديل المكعب أ وصار حجمه أكبر فلدي عدة خيارات الأول تحريك المكعب ب حتى أضع المكعب أ الجديد وهنا سنضطر ، أن أحذف جزءًا من الكعب ب حتى أضع المكعب أ وهذا الخيار غير منطقي لأنك ستضطر لحذف بعض البيانات التي لا تريد حذفها ، والخيار الأخير هو نقل المكعب أ إلى مكان شاغر.

مشكلة تحريك أماكن البيانات حتى نضع المعلومة المعدلة غير عملية لأنها عملية بطيئة جدًا خصوصًا كلما زادت البيانات.

وكتابة البيانات المعدلة فوق القديمة سيؤدي إلى حذف بيانات مهمة ، لهذا أفضل خيار هو وضع المعلومة الجديدة في مكان شاغر.

السؤال الآن ماذا نفعل بالمعلومة القديمة ؟ هل نحذفها ؟ طبعًا هذا ما قد تظنونه ولكن الواقع غير ذلك ، حيث أن حذف البيانات يحتاج للبحث عن المعلومة وحذفها ، واحتمالية وضع معلومات جديدة في المكان المحذوف شبه مستحيلة وغير عملية لأنك ستضطر للمرور على كل البيانات قبل أن تصل للمكان المحذوف هذا   ما تقوم به الشركات هو ترك البيانات ونسيانها بنقل المؤشرات إلى مكان المعلومة المعدلة ، وهذا التصميم تم مناقشته في أبحاث كثيرة والشركات تعتمد تصاميم مشابهة.

هذا يعني أن ما تحذفه أو تعدله يبقى في خوادم الشركات   سأقوم مستقبلاً بتصميم مقطع يوضح الفكرة بإذن الله

يبقى السؤال الأهم كيف تتعامل الشركات مع معلوماتك الشخصية غير المحذوفة ؟

طبعًا الشركات لا تحتاج إلى معلوماتك المحذوفة لأن لديها أساسًا قدر خيالي من المعلومات   وفي مجال الخصوصية هناك قاعدة ، إن المعلومة الصغيرة والمعلومة الصغيرة والمعلومة الصغيرة يكونان صورة كبيرة عن الشخص.   قد تظن أنك في كل مرة تذكر شيئًا بسيطًا عن نفسك أو أنك لن تهتم بتجميعهم لسلوكياتك الرقمية لأنها لن تضرك   لكن الشركات تستفيد ببيع معلوماتك وباستخدامها لتخصيص الإعلانات ، وهذا الشيء معروف عن شركات مثل ميتا( فيسبوك سابقًا) حيث أنهم يقومون بتجميع معلومات إضافية غير التي يحتاجونها في تطبيقهم   في تصريح من David Wehner ، المدير المالي لشركة ميتا( فيسبوك سابقًا) ، قال أن الشركة قد تخسر ما يقارب ١٠ مليار دولار بسبب الخاصية التي أضافتها Apple في إبريل ٢٠٢١ ، وهي خاصية تتيح للمستخدم رفض السماح للتطبيقات بتتبع سلوكياته الرقمية بصفة عامة.

هذا يعني أن التطبيق سيمنع من رؤية ما تفعله في جهازك وستقتصر المعلومات التي تم جمعها على التطبيق نفسه

العبرة من حديثي لا يعني أن تشعر بالخوف وأن تترك استخدام التقنية ، ولكن ركز على ما تنشره وما تقوله.

صحيح أنك لا تستطيع أن تخبئ اهتماماتك الشخصية لأنها معلومات يتم استنتاجها من طريقة استخدامك للإنترنت   ولكن تأكد أن شبكات التواصل ليست بيتك الثاني ولا الأول ولا الأخير لأن كل ما تقوله يسجل فلا داعي لتصوير بيتك ونشر عنوان بيت جدك ونشر صورتك الشخصية وأنت تمتطي حصانًا أو وأنت تأكل في مطعمٍ فاخرٍ في أوروبا   استخدم التقنية فيما ينفعك وكن حذرًا ولا تبكِ يومًا إن أضرك نشرك صورةً لرخصة قيادتك ضع رخصتك في جيبك لأن نشر صورتها لن يفيدك بل سيكشف بعض المعلومات عنك .

تعليقات